د. سليمان بن عمير المحذوري
لا يختلف اثنان على إن عُمان دولة ذات إرث حضاري ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، وحضارة مجان شاهدة على مساهمة عُمان في البناء الحضاري الإنساني في عصور ما قبل التاريخ. وفي العصر الإسلامي تشرّفت عُمان برسالة النبي الموجّهة إلى ملكي عُمان التي كانت كيانًا سياسيًا مستقلًا في شبه الجزيرة العربيّة.
وعلى مرّ الحقب التاريخيّة تعاقب على عُمان حكّام كان لهم دور محوري في تاريخها العريق، وإضافة لبنات مهمة في مسيرة الحضارة العُمانيّة. ومنذ عام 1744 استلم الراية الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي فكان خير خلف لخير سلف لتمضي عُمان قدمًا في نشاطها المعهود، وتظل السفن العُمانية تبحر بانتظام مع الرياح الموسميّة في مياه المحيط الهندي شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا. وخلال تلك الفترة اشتهرت رحلات أسطول البن الذي يتكون من حوالي 50 سفينة عُمانية تنقل هذا السلعة المهمة لتوزيعها في أنحاء متفرقة من الشرق الأدنى.
ونتيجة للأمن والاستقرار الذي نعمت به عُمان في عهد الأسرة البوسعيدية أضحت مسقط العاصمة الاقتصاديّة والسياسيّة لعُمان خلال الربع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي. وبحكم موقعها الاستراتيجي على شبكة الطرق البحريّة كانت المركز الرئيس لتجميع السلع وتوزيعها في غرب المحيط الهندي، واستقطبت التجّار من مختلف الجنسيات بسبب حرية ممارسة الأعمال التجارية، والشعائر الدينية. وفي عهد السّيد سعيد بن سلطان توسعت الإمبراطورية العُمانية وامتدت على قارتين آسيا وإفريقيا لمدة نصف قرن، وكانت عُمان ندًا للدول الكبرى آنذاك من خلال ابرام اتفاقيات دبلوماسيّة وتجاريّة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا.
ومع التحولات الدوليّة، والأزمات الداخليّة، والتحديات الاقتصاديّة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن الماضي، استطاعت عُمان أن تعبر بسلام إلى برّ الأمان، وتتكيف مع تلك الظروف رغم قسوتها حتى نهضت مجددًا في عام 1970 عندما تولى مقاليد الحكم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه. ومنذ خطابه الأول كانت رؤيته واضحة: "كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة وَإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى"؛ إذ استطاعت عُمان أن تصبح دولة عصريّة نفضت عنها غبار الزمن، واستعادت بريقها على كافة المستويات استنادًا إلى إرثها الحضاري المتراكم عبر العصور.
وها هو حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- منذ تسلمه مقاليد الحكم في عام 2020، يُكمل المسيرة التنمويّة لعُمان، ويضعها في مكانتها الطبيعية بين الأمم، ومصاف الدول المتقدمة.
وما من شكّ أنّ الإنسان العُماني كان وما يزال هو الركيزة الأساسيّة لتحقيق تطلعات ورؤى عُمان الحاليّة والمستقبليّة؛ اذ يؤكد جلالة السلطان- أيده الله- في خطابه بتاريخ 11 يناير 2022 "أن الإرتقاءَ بعُمانَ إلى الذُرى العاليةِ، مِنْ السموِّ والرفعةِ، التي تستحقها لَهُوَ واجبٌ وطنيٌ، وأمانةٌ عظيمةٌ، وعلى كلِّ مواطنٍ دورٌ يؤديهِ في هذا الشأن".
خلاصة القول.. إنَّ لعُمان تاريخًا عريقًا ودورًا حضاريًا رياديًا؛ بيد أنّه خلال هذه المرحلة وفي ظل الذكاء الصناعي والتكنلوجيا المتقدمة، والتعليم النوعي، والطاقة النووية أصبح التغني بالتاريخ وحده لا يُغني ولا يُسمن من جوع؛ وينبغي على الأجيال المتعاقبة مواصلة البناء على هذا الإرث الحضاري، ومواكبة التحولات المتسارعة، والقيام بدور فاعل في تحقيق رؤية عُمان التي نريد كل في موقعه، وفي حدود إمكاناته ومسؤولياته.
